كان مُراد الأوَّل أوَّل سُلطانٍ عُثمانيٍّ يموت في أرض المعركة، والوحيد من سلاطين بني عُثمان الذي قُتل في الحرب، وأُضيف إلى ألقابه بعد وفاته لقب «السُلطان الشهيد». تكمن أهميَّة مُراد الأوَّل بِنجاحه في الارتقاء بِالإمارة العُثمانيَّة إلى طور الدولة، وقد مهَّدت وضعيَّة فُتوحاته السبيل لِتطوير النظام الإنكشاري وإحداث تغييرات هامَّة في نُظم الإمارة، ما ساعد على وضع أُسس الهيكل المركزي فيها. وكما كان حالُ والده وجدِّه من قبل، عاش مُراد حياةً زاهدةً أقرب إلى حياة المُتصوفين، فكان لباسه لِباس الدراويش عكس ما تُصوِّره اللوحات، واشتهر بِقلَّة كلامه وحُبِّه مُجالسة العُلماء والتفقُّه بِالشريعة الإسلاميَّة، وقد وصفه المؤرخ الفرنسي «كرينارد» بِقوله: «كَانَ مُرَاد أَحَد أَكبَر رِجَال آل عُثمَان، وَإِذَ قَوَّمنَا تَقويمًا شَخصيًّا، فَقَد كَان في مُستوى أَعلَى مِن كُلِّ حُكَّامِ أوروپَّا».
تولَّى الحُكم بعد وفاة أبيه السُلطان أورخان سنة 1360م، وكان عُمره 36 عامًا وقتها، واستمرَّ حُكمه 31 سنة تمكَّن خلالها من توسيع نطاق إمارته حتَّى أصبحت قوَّة إقليميَّة كبيرة. كانت باكورة أعماله فتح مدينة أدرنة في تراقية ونقل مركز العاصمة إليها من بورصة، ثُمَّ تابع فُتوحاته وتوسُعاته في جنوب شرق أوروپَّا، فضمَّ الكثير من البلاد إلى مُمتلكاته وإلى ديار الإسلام، وأجبر أُمراء الصرب والبلغار وحتَّى إمبراطور الروم يُوحنَّا الخامس پاليولوگ على الخُضوع له ودفع جزية سنويَّة لِلدولة العُثمانيَّة. ولمَّا بلغت الأخيرة مبلغًا كبيرًا من القُوَّة والازدهار خضعت لها الإمارات التُركمانيَّة في الأناضول بعد أن تبيَّن لها عدم جدوى مُقاومتها وصحَّة مُحالفتها، إلَّا إمارة القرمان التي حاول أميرُها علاءُ الدين بن علي الداماد إثارة حمية الأُمراء المُسلمين المُستقلين وتحريضهم على قتال العُثمانيين لِيُقوِّضوا أركان مُلكهم الآخذ في الامتداد يومًا فيومًا، فكانت عاقبة دسائسه أن هاجمه العُثمانيَّون واستولوا على مدينة أنقرة عاصمة إمارته، فاضطرَّ إلى مُهادنتهم بِدوره.
وسَّع مُراد الأوَّل غزواته وفُتوحاته في شبه جزيرة البلقان التي كانت في ذلك الحين مسرحًا لِتناحُرٍ دائمٍ بين مجموعةٍ من الأُمراء المسيحيين الثانويين. فاستولى سنة 1383م على مدينة صوفية في بلغاريا، ثُمَّ سالونيك في مقدونية، وشنَّ عدَّة غارات على عديدٍ من القلاع والحُصُون في شمال بلاد اليونان، فاضطَّرب لِذلك المُلوك المسيحيُّون المُجاورون وطلبوا من البابا أوربان الخامس أن يتوسَّط لدى مُلوك أوروپَّا الغربيين لِيُساعدوهم على مُحاربة المُسلمين وإخراجهم من أوروپَّا خوفًا من امتداد فُتُوحاتهم إلى ما وراء جبال البلقان، فلبَّى البابا نداءهم ودعا إلى حملةٍ صليبيَّةٍ لِلدفاع عن القارَّة الأوروپيَّة ضدَّ المُسلمين. وفي 19 جُمادى الآخرة 791هـ المُوافق فيه 12 حُزيران (يونيو) 1389م، التقت الجُيُوش العُثمانيَّة بِالقوى الصربيَّة - تُساندُها قوىٍ من المجر والبلغار والأرناؤوط - في سهل قوصوه (كوسوڤو)، فدارت بين الفريقين معركةٌ عنيفة قُتل فيها السُلطان مُراد غدرًا على يد جُندي صربي تظاهر بِالموت، ولكنَّ العُثمانيين لم يلبثوا أن نظَّموا صُفوفهم تحت قيادة بايزيد بن مُراد، فهزموا القُوَّات الصليبيَّة هزيمة شنعاء